ملخص المقال
يتناول هذا المقال حالة لافتة تمثلت في شاب سوري مثقف يعيش في أوروبا ويؤيد جماعة إرهابية متطرفة، ليستعرض من خلالها خطورة ذلك على الإستقرار العالمي و يناقس الأسباب العميقة التي قد تدفع بعض الأفراد في بيئات مستقرة وآمنة إلى تبني الفكر المتطرف. يناقش المقال الأبعاد الأيديولوجية والنفسية والاجتماعية لهذه الظاهرة، ويطرح تساؤلات جوهرية حول دور الانتماء، الهوية، والشعور بالقيمة في تشكيل المواقف المتطرفة، بعيدًا عن التفسيرات السطحية المعتادة.

نبراس.. نموذج المثقف المؤيد للإرهاب بشكل غير مباشر من داخل أوروبا

هو ليس إرهابي و ربما لم يحمل سلاحا في حياته , لا يمكن توجيه تهمة الإرهاب له فهو لم يروج بشكل صريح للإرهاب أو العنف كما أنه غالبا لم يقتل أحد أو يؤذي أحد جسديا , لكن الحقيقة أنه أخطر من ذلك بكثير , في حساباته التي يتابعها مئات الآلاف يقوم نبراس بتأييد الجماعات المتطرفة (هيئة تحرير الشام الإرهابية) و بشكل علني مما يساهم في غسيل الدماغ للأجيال الصغيرة خاصة و يوصل لها رسالة بدون قصد أن الوصول إلى السلطة عبر الإرهاب و قتل الناس هو أمر طبيعي بل أمر مبارك به و أن تلك الجماعات التي وصلت إلى السلطة عبر الإرهاب أصحابها أبطال , مما يعني أن استخدام العنف و الإرهاب شيء مبرر بحسب ما يروج له بطريقة غير مقصودة
الجماعات التي يؤيدها نبراس في دمشق هي جماعات ذات تاريخ دموي معروف للجميع و هي أساسا مصنفة كمنظمات إرهابية و مضافة الى لائحة الإرهاب الدولي في أميركا و أوروبا و العديد من دول العالم , مما يجعل تأييدها علنا بمثابة تأييد للإرهاب

الخطورة تكمن في أن تلك الجماعات و الشخصيات التي يؤيدها معروفة بتاريخها الدموي الحافل و قد قتلت الآلاف من الأبرياء قبل وصولها للسلطة , و بالتالي ايصال رسالة للغاضبين من أي سلطة حاكمة في أي بلد أن استخدام العنف و الإرهاب هو أمر مبرر فهاهم الجماعات التي يؤيدها نبراس استخدمت التفجيرات و الإنتحاريين على مدى سنين طويلة و بدلا من نبذهم من قبل المثقفين و المطالبة بمحاكمتهم فها هم بعض المثقفين يمجدونهم و يعتبرونهم أبطال و محررين للبلاد , و بالتالي افساح المجال للآلاف لكي يستخدمو العنف و الإرهاب للوصول الى السلطة و المكاسب طالما هذا مبرر, و هنا تكمن الخطوة و لذلك قلنا إن ما يفعله نبراس و أمثاله من الإعلاميين لا يقل خطورة عن الإرهاب المباشر إن لم يكن أخطر

التحيل النفسي لتأييد الجماعات المتطرفة

في خضم النقاشات الدائرة حول التطرف والإرهاب، غالبًا ما يُفترض أن الدافع الرئيسي خلف تأييد الجماعات الإرهابية هو الفقر أو القمع أو الظلم المباشر. لكن ماذا لو كان المؤيد شخصًا يعيش في أوروبا، في بيئة مستقرة وآمنة، ويحمل صفة لاجئ نال فرصًا للتعليم والرعاية والحماية؟ هذه ليست فرضية نظرية، بل واقع نراه في حالات مثل “نبراس”، شاب يقيم في أوروبا، لكنه يروّج علنًا لحكومة تتبع لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا و المنبثقة عن تظيم داعش الإرهابي) – المصنفة كمنظمة إرهابية – ويعبّر عن دعمه لأيديولوجيتها عبر منصات التواصل.

هذه المفارقة تطرح سؤالًا جوهريًا: ما الذي يدفع شخصًا مثل نبراس، نجا من ويلات الحرب و وصل إلى دولة تحترم حقوق الإنسان وتوفر له الحماية القانونية، إلى أن يؤيد جماعة مسلحة متطرفة تمارس العنف وتقمع المخالفين؟ كيف يمكن لشخص يفترض به أن يكون قد تحرر من الخوف والقمع أن يتحول إلى صوت يدافع عن منظومة إرهابية تسعى لفرض رؤيتها بالسلاح والتهديد؟

لفهم هذه الظاهرة، لا يكفي الاكتفاء بالتفسيرات السطحية أو النمطية. بل لا بد من الغوص في العوامل الأيديولوجية والنفسية التي قد تجعل بعض الأفراد يجدون في هذه الجماعات نوعًا من المعنى أو الانتماء، حتى من داخل أكثر البيئات أمنًا وحرية

 

Nibras A Symbol of Radicalization from Within

Nibras A Symbol of Radicalization from Within

صورة نشرها السيد نبراس يحتفل بعد احتلال سوريا من قبل هيئة تحرير الشام الإرهابية

 

التأثير الأيديولوجي والديني

في كثير من الأحيان، لا يكون التعرض المباشر للقمع أو الظلم شرطًا لتبني الفكر المتطرف. فالفرد المتعلم الذي يعيش في بيئة مستقرة مثل أوروبا قد يبدو في الظاهر محصنًا من هذه التأثيرات، لكنه في الواقع قد يكون عرضة لها من خلال وسائل التواصل الحديثة والدوائر الاجتماعية المغلقة. الإنترنت اليوم، وخاصة منصات مثل يوتيوب وتيليغرام وتويتر، أتاح بيئة خصبة لانتشار المحتوى الأيديولوجي المتشدد، بما في ذلك الخطب الدينية المحرفة، والمقاطع العاطفية التي توثق معاناة مسلمين في مناطق النزاع، مما يخلق لدى المتلقي تصورًا مشوهًا عن الواقع.

تستغل بعض الجماعات المتطرفة هذا الفضاء لنشر تفسيرات دينية متشددة، تدّعي تمثيل “الإسلام الحقيقي”، وتصور الجماعة الإرهابية على أنها طليعة تدافع عن الأمة الإسلامية ضد ما يُصوَّر على أنه عدوان عالمي. في هذه الروايات، يتم اختزال الصراعات الجيوسياسية المعقدة إلى معركة “حق مقابل باطل”، و”إيمان مقابل كفر”، مما يسهل على الفرد غير المتخصص في الدين أو السياسة تقبّل هذا التصنيف الثنائي والانخراط فيه عاطفيًا.

ما يزيد من خطورة هذه التأثيرات هو أنها لا تظهر دفعة واحدة، بل تتسلل تدريجيًا عبر ما يسمى بـ”التطرف البطيء”. يبدأ الشخص بمحتوى لا يبدو متطرفًا للوهلة الأولى، مثل منشورات تندد بظلم ما أو تدعو لمناصرة قضية عادلة، لكنه مع الوقت ينتقل إلى تبرير العنف أو تأييد جماعات مسلحة بحجة “الدفاع عن الدين”. ومع الاعتياد على هذا النوع من الخطاب، تتغير مرجعيات التفكير لديه، ويبدأ في النظر إلى العالم من منظور الجماعة التي تأثر بها، متبنيًا سردياتها وطرقها في التبرير والتحليل.

وتكمن المعضلة في أن هذا التحول لا يكون ناتجًا عن جهل فقط، بل قد يكون مدفوعًا بحالة من الاغتراب الثقافي أو النفسي. فالشخص الذي يشعر بأنه لا ينتمي كليًا للمجتمع الذي يعيش فيه، أو يشعر بانفصال عن هويته الأصلية، قد يجد في الخطاب الأيديولوجي المتشدد نوعًا من الانتماء واليقين، مما يعزز انجذابه إليه.

A Facebook post publicly declaring support for the terrorist known as Al Shaibani, who was convicted of terrorist operations.

A Facebook post publicly declaring support for the terrorist known as Al Shaibani, who was convicted of terrorist operations.

منشور على الفيسبوك يظهر فيه نبراس اعتزازه و افتخاره بشخصية أسعد الشيباني المدان بعمليات ارهابية عندما كان في تنظيم داعش و المطلوب دوليا

 

الرغبة في التمرد والشعور بالقوة

حتى في أكثر البيئات استقرارًا وراحة، مثل تلك التي توفرها الدول الأوروبية، تبقى النفس البشرية معقدة ومليئة بالصراعات الداخلية. بعض الأفراد، رغم تمتعهم بحياة مادية مستقرة وتعليم جيد، يشعرون بأنهم مهمَّشون أو بلا تأثير حقيقي في محيطهم. هذا الشعور بعدم الأهمية قد لا يكون ناتجًا عن ظروف خارجية فقط، بل يرتبط أحيانًا بتجربة داخلية من القلق الوجودي أو الإحساس بالفراغ، ما يدفع الشخص إلى البحث عن دور بطولي أو هدف “أكبر من ذاته”.

الرغبة في التمرد هنا لا تعني دومًا تحدي السلطة أو الخروج عن القانون بشكل مباشر، بل يمكن أن تكون شكلًا من أشكال الرفض الصامت أو العميق للواقع الاجتماعي. قد يشعر الفرد أن المجتمع الذي يعيش فيه لا يمنحه هوية أو مكانة مميزة، بل يذوبه في نموذج جماعي لا يُظهر تفرده أو قيمته. عند هذه النقطة، تصبح الأفكار المتطرفة جاذبة؛ فهي لا تقدم فقط رواية واضحة عن العالم، بل تعده أيضًا بأنه سيكون “جزءًا من شيء عظيم”، صاحب دور ورسالة، وصوتٌ في معركة كبرى بين الحق والباطل.

في هذا السياق، يتحول دعم الجماعات المتطرفة إلى نوع من التعويض النفسي. فبدلًا من أن يبقى فردًا عاديًا بلا تأثير، يصبح بنظر نفسه جنديًا في “جيش الحق”، يسهم في “تحقيق العدل” أو “الدفاع عن المظلومين”. وهذا التحول يمنحه شعورًا بالقوة، ويكسر إحساسه بالضعف أو التهميش. بعض الأفراد يتبنون هذا المسار أيضًا كنوع من الرفض العنيف للثقافة الغربية أو لقيم مجتمعاتهم، خاصة إذا كانوا يرون فيها تناقضات أو ازدواجية في المعايير، سواء على مستوى السياسة الخارجية أو الحقوق المدنية.

ومن المهم الإشارة إلى أن هذه الدوافع ليست دائمًا نابعة من اعتقاد ديني راسخ، بل أحيانًا تكون مدفوعة بمشاعر غريزية: الغضب، الحسد، الشعور بالخذلان، أو حتى البحث عن “مغامرة” تُشعره بالحياة. فالجماعات المتطرفة تتقن اللعب على هذه الأوتار النفسية، وتُعيد تشكيل دوافع شخصية مبعثرة في قالب أيديولوجي منظم، يبدو في الظاهر “بطوليًا”، لكنه في الواقع قائم على تدمير الذات والآخر.

How Extremist Ideologies Reach Refugees in Europe

How Extremist Ideologies Reach Refugees in Europe

دائما ترى المتطرفين يبالغون في ابراز مظاهر التدين الشكلي

ضرورة مكافحة التطرف الديني من الجذور

في ضوء ما سبق، يمكن القول إن تأييد شخص متعلم، يعيش في بيئة مستقرة وآمنة، لجماعات إرهابية ليس أمرًا عشوائيًا أو سطحيًا، بل هو نتيجة لتداخل معقّد بين عوامل فكرية ونفسية واجتماعية. هذا التأييد لا ينشأ بالضرورة من تجارب قمعية أو مآسٍ شخصية، بل قد يتشكل من خلال تعرض مستمر لخطاب أيديولوجي متشدد يستغل مشاعر مشروعة مثل الغضب، التعاطف، أو الحاجة للانتماء.

إن الأيديولوجيات المتطرفة لا تحتاج دائمًا إلى بيئة فقيرة أو مهمشة كي تزدهر؛ فبفضل الإنترنت وشبكات التأثير غير الرسمية، يمكنها أن تصل إلى أي فرد، في أي مكان، وتعيد تشكيل وعيه ببطء ولكن بثبات. كما أن النزعة النفسية للبحث عن هوية، أو دور، أو معنى، تجعل بعض الأفراد فريسة سهلة لهذا النوع من الخطاب، حتى وإن كانوا في الأصل يتمتعون بوضع اجتماعي جيد وتعليم عالٍ.

هذا الواقع يُحتم على المجتمعات، خاصة في أوروبا، أن تعيد التفكير في أساليب الوقاية من التطرف. فالمعركة لم تعد تقتصر على تجفيف منابع “الفقر” أو “الجهل”، بل أصبحت معركة على مستوى الوعي، والهُوية، والانتماء. مكافحة الفكر المتطرف تتطلب بناء منظومات فكرية بديلة قادرة على منح الأفراد المعنى والانتماء دون أن تقودهم إلى العنف، وتقديم خطاب ديني معتدل يكون مقنعًا من الناحية الفكرية ومُشبعًا من الناحية النفسية.

كما ينبغي دعم الشباب – خصوصًا أولئك من أصول مهاجرة – بفرص حقيقية للاندماج والمشاركة المجتمعية التي تمنحهم الإحساس بالقيمة، وتحميهم من الانجذاب نحو أيديولوجيات تقدم وعودًا زائفة بالقوة أو البطولة. فالفرد الذي يشعر بأنه يُرى ويُقدَّر في مجتمعه، تقل احتمالية انجرافه خلف خطاب يَعِده بالمجد من خلال تدمير الآخر

 

 

مراجع

وزارة الخارجية الأمريكية: أدرجت الولايات المتحدة هيئة تحرير الشام ضمن قائمة “المنظمات الإرهابية الأجنبية”  في مايو 2018، باعتبارها امتدادًا لجبهة النصرة المرتبطة سابقًا بتنظيم القاعدة.

تقرير هيومان رايتس وتش الذي يناقش العقبات التي تواجه الأطفال السوريين اللاجئين في تركيا في الحصول على التعليم، مما يسلط الضوء على التحديات التي قد تسهم في تعرضهم للتطرف

 

 

Index