مقدمة تمهيدية
العلم ليس مجرد قطعة قماش ملوّنة تُرفع على الساريات، بل هو تجسيد بصري للهوية والسيادة والكرامة الوطنية. تقف خلف ألوانه ورموزه حكايات أجيال، وتنعكس فيه قيم الشعوب، وتاريخها، ونضالاتها، وحتى جراحها. إنه الشعار الأعلى الذي يتوحد حوله المواطنون، مهما اختلفت آراؤهم وتوجهاتهم، لأنه العنوان الجامع الذي لا يُمس.
كل دولة تختار علمها بعناية، غالبًا بعد نضال أو توافق أو لحظة مفصلية من تاريخها، ليكون الرمز الأسمى الذي يُمثّل الأمة في الداخل والخارج. وبمرور الزمن، يصبح هذا العلم جزءًا من الذاكرة الجمعية: يُعلَّق في المدارس، يُرفَع في البطولات، يُطبع على الوثائق الرسمية، وتُغنّى له الأناشيد الوطنية. فالعلم ليس ملكًا لحكومة أو نظام سياسي، بل هو ملك للشعب بأسره.
من هنا، فإن أي محاولة لتغيير العلم الوطني خارج سياق الشرعية والتوافق الشعبي تُعدّ انتهاكًا مباشرًا لسيادة الأمة. لأن المساس بالعلم ليس فعلاً بصريًا محايدًا، بل هو فعل رمزي شديد الخطورة، يتجاوز البعد الجمالي أو السياسي، ليصل إلى قلب الهوية والانتماء. إنه إعلان ضمني عن بداية قطيعة مع الذاكرة، وتفكيك لوحدة الجماعة الوطنية، وفرض رمزية جديدة بقوة الأمر الواقع، وليس بقوة الإرادة الشعبية.
هذه الإشكالية تحديدًا ظهرت بوضوح في الحالة السورية، حيث جرى فرض علم جديد من قبل جماعات مسلحة خارجة عن الشرعية، في واحدة من أخطر محاولات العبث بالرموز الوطنية الجامعة. وسنتناول في هذه المقالة كيف جرى هذا التحول، ولماذا يُعدّ تهديدًا عميقًا لهوية السوريين، وأين يكمن الفارق بين العلم الذي حملته الذاكرة والوجدان، والعلم الذي فُرض بالقوة والدعاية.

العلم السوري ذو النجمتين Syrian flag two green stars
أولاً: العلم كرمز سيادي وهوية وطنية
منذ نشوء الدول الحديثة، كان للعلم الوطني مكانة خاصة في وجدان الشعوب، باعتباره الرمز الأعلى للسيادة والاستقلال. فهو لا يمثل النظام الحاكم فقط، بل يعبّر عن الكيان الوطني بكل ما فيه من تنوع، واختلاف، وتاريخ مشترك. لهذا السبب، فإن أي مساس بهذا الرمز يُعد مساسًا مباشرًا بالسيادة والهوية والانتماء.
العلم هو التجسيد البصري للهوية الوطنية. ففي لحظات الحرب والسلام، في الأزمات والانتصارات، يبقى العلم هو الراية التي تلتف حولها الجماعة الوطنية، وتشعر من خلالها بكيانها الجمعي، وبأنها تنتمي إلى وطنٍ واحد مهما اختلفت الأيديولوجيات. ولذلك فإن احترام العلم والمحافظة عليه جزء لا يتجزأ من احترام الذات الوطنية.
ولأجل ذلك، تنص معظم دساتير الدول على أهمية العلم الوطني، وتعتبره من الثوابت السيادية التي لا يجوز تغييرها أو المساس بها إلا بقرار شعبي شامل، غالبًا عبر استفتاء دستوري.
فعلى سبيل المثال، ينص الدستور الألماني على احترام العلم الوطني الألماني كرمز للدولة الاتحادية، ويُجرّم القانون الإساءة إليه. كما يعتبر الدستور المصري العلم من “مكونات الدولة” إلى جانب النشيد الوطني، ويمنع تغييره إلا بقانون. وفي الولايات المتحدة، رغم غياب نص دستوري مباشر، فإن احترام العلم الوطني مُكرّس في وجدان الشعب الأمريكي، ويُعامل العلم هناك كرمز مقدس يعكس وحدة الأمة، وقد أثار مجرد اقتراح تغيير رموزه أو ألوانه في بعض المناسبات غضبًا وطنيًا واسعًا.
كل هذا يدل على أن العلم ليس مجرد رمز بصري عابر، بل هو ركيزة سيادية، وثابت دستوري، ومكوّن مركزي في الهوية الوطنية لأي شعب حر.
ثانيًا: إسقاط العلم السوري وفرض علم بديل بالقوة
منذ عشرات السنين، كان العلم ذو النجمتين الخضراوين رمزًا سياديًا جامعًا للسوريين، عبّر عن هوية وطنية استمرت لعقود، ورافقهم في كل المحافل الدولية، وفي المدارس والكتب، وفي المناسبات الرسمية والوطنية، وحتى في وجدانهم الشعبي، بما في ذلك الأغاني والمهرجانات والرياضة والذاكرة العامة.
لكن عام 2011، بدأ فصل مظلم في التاريخ السوري، حين خرجت جماعات مسلحة متطرفة تُسمّي نفسها “الثورة السورية”، وبدأت بعمل مسلح استهدف أجهزة الدولة والجيش، وأوقع قتلى مدنيين، خصوصًا من أبناء الأقليات الدينية. هذه الجماعات، التي سرعان ما ظهر طابعها الجهادي التكفيري، أعلنت رفضها للعلم الوطني السوري، وبدأت برفع علم غريب بثلاث نجوم حمراء، لا يمت بصلة لتاريخ الدولة السورية الحديثة، بل ارتبط بشكل مباشر بالمشروع المسلح الذي أطلقته هذه التنظيمات تحت غطاء “الثورة”.
في البداية، كان رفع هذا العلم مقصورًا على المظاهرات أو المساحات التي سيطرت عليها هذه الجماعات. لكن مع مرور الوقت، وبعد سنوات من الحرب والفوضى، سقط النظام الحاكم في سوريا، واستولت الفصائل الجهادية على مناطق واسعة من البلاد، وفرضت العلم الجديد بالقوة، ومنعت استخدام العلم السوري الأصلي، بل عاقبت كل من يرفعه أو يظهره في الأماكن العامة.
وبينما ادّعت هذه الجماعات أن العلم القديم تابع “للنظام”، فإن الحقيقة التاريخية تؤكد أن هذا العلم أقدم من النظام نفسه، ويعود إلى زمن الجمهورية العربية المتحدة في الخمسينيات، بل حتى إلى مراحل تأسيس الدولة الحديثة. إن الادعاء بأن العلم السوري يمثل النظام هو محاولة لتزوير التاريخ، ولتبرير فرض راية غريبة لا تعبّر عن وجدان الشعب السوري.
والأخطر من ذلك، أن عملية استبدال العلم لم تكن بريئة أو عفوية، بل جاءت ضمن خطة إعلامية وأمنية موجهة من أجهزة مخابرات دولية وإقليمية داعمة للتنظيمات الجهادية، استخدمت الإعلام والدعاية والرموز لتفكيك الروابط الوطنية السورية، وتكريس واقع انفصالي جديد، يعزل الشعب عن تاريخه المشترك، ويفرض عليه واقعًا رمزيًا جديدًا بقوة السلاح.
ومنذ ذلك الحين، شهدت سوريا تحت راية هذا العلم الجديد المجازر، وعمليات الخطف، والسرقة، والاغتيالات، والانفلات الأمني، وهي صورة تختلف تمامًا عن المعاني السيادية والوطنية التي ارتبطت بالعلم السوري الأصلي لعقود طويلة.
ثالثًا: الفارق البصري والجمالي بين العلمين
إلى جانب البعد السياسي والرمزي، يحمل العلم الوطني دائمًا قيمة جمالية وبصرية، لأن تصميمه يعكس الذوق العام والهوية البصرية للشعب. والفرق بين العلم السوري الأصلي والعلم المفروض من الجماعات الجهادية لا يقتصر على المعاني، بل يتجلى بوضوح على المستوى البصري والتصميمي.
🔶 العلم السوري الأصلي:
يتألف من ثلاثة ألوان أفقية متناسقة: الأحمر، الأبيض، والأسود، تتوسطه نجمتان خضراوتان. هذا التكوين يتميز بتوازن لوني مريح للنظر، يعكس وحدة الأرض والدم والسلام. النجمتان الخضراوتان تبدوان كـ”عيون سلام” وسط العلم، تمنحانه روحًا هادئة وانطباعًا بالهيبة والرزانة. وقد ارتبط هذا التصميم في ذاكرة السوريين بمشاعر الفخر، سواء في البعثات الدولية، أو المسيرات الشعبية، أو الجوائز، أو الأعلام المرفرفة في المهرجانات والفعاليات الكبرى.
🔴 العلم الجديد المفروض:
في المقابل، يتكون من نفس الألوان الأفقية لكن بتغيير ترتيبها، وتضم وسطه ثلاث نجوم حمراء قاسية الشكل والتوزيع. من الناحية البصرية، يبدو هذا العلم مضطربًا وغير مريح للنظر. اللون الأخضر في الأعلى لا يحمل الدلالة المعهودة له في الثقافة العربية، بل يفصل بين الأحمر والأسود بطريقة تفتقد للتوازن. أما النجوم الثلاث الحمراء فهي تفتقر للانسجام مع الخلفية، وتبدو أشبه بعناصر عدائية أو إشارات تحذير، وليست رموز وحدة أو سيادة.
الفرق الشاسع:
الفرق البصري بين العلمين يعكس الفرق في الرسالة. العلم الأصلي يوحي بالسيادة، التاريخ، الرزانة، والتوازن. أما العلم المفروض فيوحي بالفوضى، الغرابة، وعدم الارتباط بالهوية البصرية السورية. حتى على مستوى الانطباع النفسي، العلم السوري الأصلي يبعث على الراحة والثقة، في حين أن العلم الجديد يثير القلق والاغتراب، كأنه دخيل لا ينتمي إلى الوجدان البصري للشعب.

الفرق الجمالي بين العلمين Visual difference between two flags 2
🟪 رابعا: آثار هذا التغيير على المجتمع السوري
إن تغيير العلم السوري لم يكن مجرد خطوة رمزية، بل مثّل صدمة حقيقية تركت آثارًا عميقة على الوعي الجمعي والمجتمع بأسره. فالرموز الوطنية، وعلى رأسها العلم، تلعب دورًا رئيسيًا في ترسيخ الشعور بالانتماء، وعندما يتم العبث بها دون توافق، تكون النتائج مدمّرة.
🔻 ضرب السيادة الرمزية:
العلم هو تجسيد بصري للسيادة، وتغييره دون توافق شعبي يمسّ جوهر الدولة ويقوّض رمزيتها. إن فرض علم جديد من قبل جماعات مسلّحة مرتبطة بفكر تكفيري، لا يحمل أي بعد وطني، هو تقويض صريح لمفهوم السيادة، واعتداء على المعنى الرمزي الجامع الذي يمثّله العلم الأصلي.
🔻 تعزيز الانقسام والانفصال عن الذاكرة الوطنية:
العلم الجديد جاء بفجوة زمنية ورمزية عن ذاكرة السوريين. لم يكن نتيجة نقاش وطني، بل فُرض في ظل الصراع والعنف، وفقدان الأمان. لم يرافقه أي شعور جماعي بالفخر، بل شكّل مصدر انقسام. كثير من السوريين لا يرون أنفسهم ممثلين بهذا العلم، بل يرونه علامة على مرحلة من العنف والفوضى.
🔻 خلق علم بلا عمق شعبي أو شرعية أخلاقية:
خلافًا للعلم السوري الأصلي الذي نشأ مع ولادة الدولة واستمر لعقود، فإن العلم المفروض لا يرتبط بأي سياق دولتي راسخ، ولا يحمل شرعية أخلاقية. إنه علم جماعة لا وطن، وبالتالي لا يملك القدرة على جمع الناس أو تمثيلهم، بل يبث فيهم الشعور بالغربة والانفصال.

خطر تغيير العلم دون توافق Danger of changing the flag
خامساً: آثار هذا التغيير على المجتمع السوري
إن تغيير العلم السوري لم يكن مجرد تبديل في شكل أو لون، بل مثّل زلزالًا رمزيًا أصاب عمق الهوية الوطنية السورية. فالرموز الوطنية، وعلى رأسها العلم، ليست مكوّنات شكلية بل أسس معنوية تمثل الدولة والمجتمع وتربط الأفراد بتاريخهم المشترك. وعندما يُفرَض علم جديد بالقوة، دون توافق شعبي ولا شرعية دستورية، تكون النتيجة ضرباً مباشرًا لوحدة المجتمع وسلامه الرمزي.
🔻 ضرب السيادة الرمزية
العلم هو التعبير المرئي الأعلى لسيادة الدولة، وتغييره دون موافقة شعبية أو إطار قانوني يعادل انتهاكًا لسيادة البلاد نفسها. فرض علم مرتبط بجماعات تكفيرية مسلحة، لا تمثل الدولة ولا تعترف بمؤسساتها، أضعف صورة السيادة السورية وأدخل البلد في أزمة رمزية لا تقلّ خطورة عن الأزمة السياسية أو الأمنية.
🔻 تعزيز الانقسام والانفصال عن الذاكرة الوطنية
الرموز تنتمي إلى ذاكرة الناس، والعلم السوري ذو النجمتين الخضراوين متجذر في وجدان السوريين منذ عقود، في المدارس والمناسبات والبطولات الوطنية. أما العلم الجديد فقد جاء مفصولاً عن هذه الذاكرة، وبدلًا من أن يكون جامعًا أصبح مسببًا للفرقة والانقسام. كثير من السوريين يرونه علمًا غريبًا لا يمتّ إلى وطنهم بصلة.
🔻 خلق علم بلا عمق شعبي أو شرعية أخلاقية
لا يولد العلم من البنادق، ولا تكتسب الرموز معناها من فرض السلاح. العلم الجديد لا يحمل أي شرعية أخلاقية لأنه لم ينبع من إرادة شعبية، بل ارتبط بجماعات استخدمت العنف وارتكبت مجازر بحق المدنيين. لهذا لا يمكن أن يمثّل هذا العلم الشعب السوري، ولا يمكن له أن يرسّخ الانتماء أو يُلهم الأجيال.
هذه الصورة لشهداء التفجير الإرهابي الذي قامت به جبهة النصرة التي غيرت العلم السوري الأصلي الى العلم الجهادي الأخصر , الصورة مثال عن ارتباط الذاكرة السورية و قضايا الشهداء بالعلم السوري الأصلي

العلم السوري الأصلي رمز السيادة Syrian flag symbol of sovereignty.jpg
سادساً: الانقلاب الرمزي – حين يُنتزع العلم من ذاكرة شعبه
حين تفرض جماعة أيديولوجية علمًا جديدًا بالقوة على شعبٍ كامل، فإنها لا تغيّر مجرد قطعة قماش، بل تعيد تشكيل الذاكرة الجمعية للناس، وتقطع الصلة مع تاريخهم. وهذا ما حصل تمامًا في سوريا. فبعد أن خرجت الجماعات الجهادية المسلحة عام 2011، وبدأت عملياتها تحت مسمى “الثورة السورية”، رفعت علمًا غريبًا ذا ثلاث نجوم حمراء بدل العلم السوري الأصلي الذي كان يضم نجمتين خضراوين – ذلك العلم الذي ظل مرفوعًا لعقود طويلة، وارتبط بكل لحظة من حياة السوريين.
العلم الأصلي ذو النجمتين لم يكن شعار نظامٍ سياسي، بل كان راية الدولة السورية منذ ما قبل النظام الحالي، وقد رُفع في المؤتمرات الدولية، والمسيرات الشعبية، وفي احتفالات الفوز، وفي أيام الحداد، وفي الكتب الدراسية، وعلى جوازات السفر، وداخل منازل الناس. كان جزءًا من الوجدان السوري.
لكن منذ 2011، بدأ الانقلاب الرمزي. فرضت الجماعات الجهادية هذا العلم الجديد بالقوة، ومنعت استخدام العلم الأصلي في المناطق التي سيطرت عليها. تم تصوير كل من يرفع العلم القديم على أنه “عدو” أو “عميل”، رغم أنه يحمل رمز الوطن ذاته، لا رمزية السلطة.
ومع مرور الزمن، رُبط هذا العلم الجديد بمشاهد القتل، والمجازر، والانقسام، والخطاب المتطرف. وبات كثير من السوريين يشعرون بالاغتراب تجاه هذا العلم الذي فُرض عليهم دون رأي، دون استفتاء، ودون أي عملية ديمقراطية. إنه ليس علم الشعب، بل علم جماعة.
في الصورة التالية, يظهر شكل العلم لو تم تطبيق الدستور

العلم الثلاث نجوم الجهادي Flag three red stars jihadi
سابعاً: التوظيف السياسي – كيف يُستخدم العلم كسلاح رمزي؟
في الحروب النفسية والثقافية، تُستخدم الرموز بقدر ما تُستخدم الأسلحة. فالعلم ليس مجرد شريط ألوان، بل أداة تعبئة، وبوصلة ولاء، وآلية لإقصاء الآخر. من خلال تغيير العلم، تسعى الأنظمة أو الجماعات إلى إعادة ترميز الدولة، وإعادة تعريف “من ينتمي” و”من لا ينتمي”.
في الحالة السورية، لم يكن تغيير العلم مجرد خطوة فوضوية أو عفوية. بل كان جزءًا من مشروع سياسي وإعلامي مدروس، تقف خلفه أجهزة استخبارات ودعاية إقليمية ودولية، هدفت إلى إلغاء هوية الدولة السورية الجامعة، واستبدالها بهوية مذهبية/عقائدية ضيقة، تتماشى مع مشروع الجماعات الجهادية العابرة للحدود.
العلم الجديد لم يكن يومًا نتيجة إجماع شعبي، بل أداة استقطاب حادة، صُممت لتفصل بين “مع الثورة” و”ضد الثورة”، بين “مؤمن” و”كافر”، بين “تابع للجماعة” و”خارج عنها”. ولذلك، رُفعت ثلاث نجمات حمراء فوق رؤوس من تم اغتيالهم، وخلفهم كانت تُخاط الأعلام على الجدران كرايات حرب، لا كرموز وطن.
باختصار، لقد استُخدم العلم الجديد كسلاح رمزي لإعادة تشكيل الولاءات، ولشرعنة مشروع سياسي أيديولوجي لا علاقة له بإرادة الشعب السوري، بل بنوايا من أراد أن يُقسّم سوريا إلى طوائف وولاءات.
في النهاية :
العلم ليس مجرد قطعة قماش تُرفع على السطوح أو تُعلّق في القاعات الرسمية، بل هو مرآة حقيقية لوجدان الشعب وهويته وتاريخه. إنه الرمز الذي يتجاوز الأنظمة والحكومات، ليعبّر عن الكيان الوطني الجامع، الذي ينتمي إليه الناس بمختلف أطيافهم، لا شعارات الفصائل وأحزاب الطوائف.
ولهذا، فإن أي تغيير قسري للرموز الوطنية – وفي مقدمتها العلم – لا يُعدّ خطوة تجميلية أو مجرد قرار شكلي، بل هو اعتداء صريح على السيادة الوطنية، وعلى الذاكرة الجمعية، وعلى وحدة الشعب نفسه. فحين يُفرض العلم الجديد في سياق عنيف ومشحون، يرتبط بالقتل والتطرف والإقصاء، فإنه يفقد كل قيمة رمزية وطنية، ويصبح جزءًا من مشروع تقسيمي لا جامع.
إن احترام الرموز الوطنية هو الشرط الأول لأي مشروع وطني جامع، سواء في بناء دولة حديثة أو في ترميم ما هدمته الحروب.
ولا يمكن لسوريا أن تُشفى أو تتعافى بينما علمها مغتصب، وهويتها ممزقة، وذاكرتها تُعاد كتابتها بألوان دخيلة لا تعكس إلا مشهد الدم والانقسام.