هذه البيان يمثل تحليلاً قانونيًا استنادًا إلى قرارات مجلس الأمن وتصنيفات لجنة العقوبات 1267، وتُدرج ضمن أرشيف الوثائق القانونية الخاصة بموقعنا لتسليط الضوء على حالات شرعنة الإرهاب الدولي.
 
 

مقدمة
رغم تصنيف هيئة تحرير الشام وقياداتها كتنظيم إرهابي من قبل مجلس الأمن الدولي منذ أكثر من عقد، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تحركات رسمية مقلقة، أبرزها لقاءات مباشرة جمعت قيادات مصنّفة إرهابية مثل أبو محمد الجولاني وأنس خطاب مع مسؤولين عرب ودوليين، بل وشخصيات في مواقع سيادية عالمية. هذه اللقاءات ساهمت في خلق وهم شرعية لدى جزء من الرأي العام، وأدت إلى تعزيز نفوذ هذه الجماعة على الأرض، وسط استمرار ممنهج في ارتكاب المجازر والخطف والانتهاكات، وخاصة ضد الأقليات. فما مدى مشروعية هذه اللقاءات؟ ومن يتحمّل المسؤولية القانونية عن نتائجها؟

 

أولًا: من هم؟ ولماذا صنّفوا إرهابيين؟

تستند تصنيفات هيئة تحرير الشام وقياداتها إلى قرارات مجلس الأمن الصادرة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يُلزم جميع الدول الأعضاء وعددها 193 باتخاذ إجراءات صارمة ضد الأفراد والكيانات المدرجة.

  • أبو محمد الجولاني: مصنّف إرهابيًا منذ 24 تموز/يوليو 2013 تحت الرقم التعريفي QDi.317.
  • أنس خطاب (أبو أحمد حدود): مصنّف إرهابيًا منذ 23 أيلول/سبتمبر 2014 بالرقم QDi.336.
  • جبهة النصرة (الكيان الأم لتحرير الشام): مصنّفة كتنظيم إرهابي منذ 14 أيار/مايو 2014 بالرقم QDe.137.

لجنة القرار 1267 الصادرة تحت الفصل السابع هي الجهة التي أدرجت هؤلاء، إلى جانب قرارات لاحقة مثل القرار 1989 (2011) والقرار 2253 (2015)، مما يجعل التزام الدول بهذه القرارات إلزاميًا وليس اختياريًا.

يمكن الإطلاع على التفاصيل من هنا الموقع الرسمي للأمم المتحدة الذي يصنف بعض الشخصيات الإرهابية

 

ثانيًا: مخالفة علنية للقانون الدولي

كل دولة تقيم علاقات، أو تسمح باللقاءات الرسمية، أو تقدم دعمًا سياسيًا أو ماديًا، أو تسهّل مرور أو سفر شخص مدرج على لوائح الفصل السابع، تكون في حالة خرق مباشر وصريح للقانون الدولي، وتهدد السلم والأمن الدوليين.

اللقاءات التي جرت بين قيادات هيئة تحرير الشام ومسؤولين عرب وغربيين – بمن فيهم رؤساء دول كبرى – تشكل انتهاكًا صارخًا لهذه الالتزامات. الأسوأ من ذلك، أن تلك اللقاءات ساهمت في خلق صورة زائفة عن شرعية هذه الكيانات، وشجّعت العديد من المؤيدين المحليين والإقليميين على دعمها علنًا، بل والانخراط في الترويج الإعلامي لها، رغم علمهم المسبق بتاريخها الدموي.

 

ثالثًا: التأثير الكارثي على المدنيين

بسبب هذه الشرعنة السياسية والإعلامية، اعتقد جزء من المدنيين أن الجماعة أصبحت “سلطة طبيعية”، ما دفع البعض للتعامل معها أو حتى العودة إلى مناطق سيطرتها. النتيجة كانت مأساوية من انتهاكات ومجازر لا تزال مستمرة حتى لحظة كتابة هذا المقال، وبوتيرة ممنهجة ضد الأقليات خصوصًا و التي شملت

خطف المدنيين واحتجازهم تعسفيًا
مجازر بحق الأقليات الدينية والمخالفين بالرأي تشمل اعدامات ميدانية
تضييق الحريات العامة وقمع الصحفيين والناشطين و أي شخصية معارضة
نهب الموارد العامة , فصل الموظفين على أساس طائفي
و الكثير من الجرائم و الإنتهاكات التي لا يتسع المجال لذكرها هنا

وتشكل هذه الأفعال:
جرائم ضد الإنسانية وفقًا للمادة 7 من نظام روما
جرائم حرب وفقًا للمادة 8 من نظام روما
انتهاكًا جسيمًا للقرارات الدولية الملزمة لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة

 

رابعًا: الجرائم لا تسقط بالتقادم و ازالة التصنيف الدولي لا يغير شيء من الحقيقة

وفقًا للقانون الدولي، فإن الجرائم المرتكبة من قبل هذه الجماعة، بما فيها القتل خارج نطاق القضاء، والتهجير القسري، والتعذيب، والاختفاء القسري، لا تسقط بالتقادم. كما أن أي تواطؤ سياسي أو إعلامي أدى إلى تسهيل هذه الجرائم يمكن أن يكون محل مساءلة قانونية لاحقة.

وحتى في حال اتخاذ بعض الدول خطوات غير قانونية لإزالة اسم هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب لأغراض سياسية، فإن ذلك لا يُغير من واقعها القانوني الفعلي. فالمنظمة ما زالت تحتفظ بنفس قيادتها المتورطة بارتكاب جرائم موثقة ضد المدنيين، وعلى رأسهم الجولاني وأنس خطاب. إن أي محاولات لتبرئة الجماعة دون تفكيك هيكلي، أو دون محاسبة قضائية لقادتها، تُعد تضليلًا للرأي العام، وتواطؤًا ضد حقوق الضحايا، وتتناقض مع مبدأ عدم التقادم في الجرائم ضد الإنسانية.

خامسًا: المسؤولية الجزائية للمروّجين والمؤيدين

القانون الدولي لا يقتصر على المحاسبة المباشرة للفاعلين الأصليين، بل يطال المحرّضين والمسهّلين والمروّجين لأي كيان مصنّف إرهابيًا. كل إعلامي أو مؤثر قام بتصوير الوضع في مناطق سيطرة الجماعة على أنه “آمن” أو “مستقر”، رغم معرفته بوقوع انتهاكات مستمرة، قد يُسأل قانونيًا بتهمة التضليل المتعمد، أو حتى التواطؤ، إن ثبت ارتباطه بالتنسيق أو النية الجرمية.

 

سادسًا: واجب الدولة السورية بعد التحرير

وفق مقتضيات قرارات مجلس الأمن، فإن الدولة السورية بعد استعادة السيطرة على المناطق، ملزمة بالآتي:

  1. الاعتقال الفوري للمدرجين على لوائح العقوبات مثل الجولاني وأنس خطاب.
  2. التحقيق معهم وإعداد ملفات قانونية موثقة.
  3. إبلاغ لجنة القرار 1267 بنتائج الإجراءات القضائية.
  4. مطالبة الدول المتورطة بالتوضيح أو التعاون القضائي، إن ثبت أنها قدمت دعمًا أو تواصلت مع الإرهابيين المدرجين.

 

سابعًا: لا شرعية دون محاسبة و لا معنى قانوني لإزالة التصنيف الإرهابي

من غير المقبول قانونيًا ولا أخلاقيًا إزالة تصنيف كيان إرهابي فقط لأنه توقف – مؤقتًا – عن ارتكاب بعض الجرائم علنًا. فالتاريخ الدموي للجماعة، وارتباط قادتها المباشرين بمجازر وجرائم موثقة، لا يمكن محوه بإجراءات سياسية شكلية. حتى إن فرضنا أن الهيئة “تغيّرت”، فإن بقاء الأعضاء والقيادات نفسها هو بحد ذاته دليل على استمرار البنية الإجرامية دون محاسبة.

كما أن أي تجاهل لمطالب الضحايا، أو محاولة إعادة دمج الجماعة في المشهد السياسي دون ضمان العدالة والمحاسبة، يُعد خيانة لمبادئ العدالة الدولية، وانتهاكًا صارخًا لمبدأ “عدم إفلات الجناة من العقاب”.

كما أن الجرائم من نوع :

القتل الجماعي
التعذيب
الإخفاء القسري
الاضطهاد الديني والعرقيتُعد من الجرائم ضد الإنسانية

ووفقًا للمادة 29 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية:

“الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة لا تسقط بالتقادم.”

إن حقوق الضحايا محفوظة بموجب القانون الدولي، سواء أُزيل التصنيف أو لم يُزل، ولا تسقط الجرائم بالتصنيف السياسي.
إزالة التصنيف لا تُسقط المسؤولية الجزائية الفردية للقيادات المتورطة، وهم ما زالوا خاضعين للملاحقة.

يجب التأكيد هنا أن العدالة لا تُقاس بعدد السنوات، بل بحجم الجرائم، وأن الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، ولا تُغتفر بتغيير اسم الكيان أو تقليص ظهوره الإعلامي.

و لذلك فإن القرار الصادر عن الولايات المتحدة الأميركية لإلغاء تصنيف جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) كمنظمة ارهابية هو قرار سياسي يأتي لتحقيق غايات و أهداف لا تخدم السلام في المنطقة و تضر بمصلحة الشعب السوري الذي عانى و يعاني من اجرام جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)

 

خاتمة وتوصيات قانونية

استنادًا لما ورد أعلاه، نوصي بما يلي:

  1. مطالبة لجنة 1267 في مجلس الأمن بفتح تحقيق حول انتهاك بعض الدول لالتزاماتها بشأن العقوبات.

  2. توجيه بلاغ رسمي للمحكمة الجنائية الدولية حول لقاء المسؤولين بالجولاني وفق المادة 46 من نظام روما.

  3. تحريك دعاوى ضد الإعلاميين أو المؤثرين الذين ساهموا في شرعنة الهيئة رغم علمهم بتصنيفها الإرهابي.

  4. توثيق الأثر الواقعي لتلك اللقاءات على خداع السكان، وتقديمها كعنصر إثبات في أي دعوى أو توثيق دولي.

  5. تقديم عريضة للبرلمانات الأوروبية أو لجان حقوق الإنسان حول التواطؤ الدولي في إعادة تأهيل جماعة إرهابية مسؤولة عن مجازر.

تعويم الجماعات المصنفة إرهابية لا يمكن أن يتم دون دعم دولي سياسي وإعلامي، وهو ما شهدناه في حالة هيئة تحرير الشام. غير أن هذا التعويم، مهما بدا مؤثرًا على الرأي العام مؤقتًا، لا يُعفي مرتكبي الجرائم أو المتواطئين معهم من المساءلة. فالقانون الدولي واضح، والعدالة قد تتأخر لكنها لا تموت. وكل لقاء، وكل تواطؤ، وكل ترويج، سيبقى موثقًا في ذاكرة الضحايا، وفي سجلات العدالة التي تنتظر اللحظة المناسبة لتُفعّل أدواتها.

 

 

هذا التقرير صادر عن فريق “الريدلاينز”، ويُعدّ إعلامًا قانونيًا رسميًا موجّهًا إلى:

  • لجنة العقوبات المعنية بتنظيم داعش والقاعدة (لجنة القرار 1267) التابعة لمجلس الأمن الدولي،

  • فريق الدعم التحليلي ورصد الجزاءات التابع للأمم المتحدة،

  • المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية،

  • وكذلك إلى الجهات الإقليمية والدولية المختصة بمكافحة الإرهاب، ومنظمات حقوق الإنسان المعنية بحماية المدنيين.

ويحمّل فريق “الريدلاينز” كافة الجهات التي امتنعت عن تطبيق العقوبات الدولية أو ساهمت في شرعنة كيانات مصنفة إرهابية، المسؤولية القانونية والأخلاقية عن الجرائم والانتهاكات المستمرة بحق السكان المدنيين، وبخاصة الأقليات الدينية المستهدفة .

Index